«الوطن» تعيد نشر حوار الراحل إيمان الصيرفي في ملف نجيب سرور

توفيت اليوم المخرجة إيمان الصيرفي، التي شغلت منصب المدير العام لفرقة مسرح الإسكندرية التابعة للبيت الفني المسرحي، عن عمر يناهز 71 عاما بعد صراع مع المرض.

أخرج عدداً من العروض المسرحية منها “خرابيش”، وظهر كممثل في عدة أعمال منها “سيت كوم” و”راسين في الحلال” وفيلم “من خلف الستار”.

وتعيد “الوطن” نشر مقابلة الصيرفي التي تتضمن تصريحه عن الشاعر الكبير نجيب سرور، في ملف يحمل اسم الشاعر الكبير، وهذا نصها:

وتهتم المخرجة المسرحية إيمان الصيرفي، إحدى طلاب ومحبي نجيب سرور، كل عام بإحياء ذكرى الشاعر الكبير، حسب المكان المتاح، سواء كان قصر الثقافة المسمى “نجيب” بقرية إخطاب أو دار ميريت بالقاهرة، وعندما لا يكون هناك مكان ينظم الصيرفي الذي أقام حفلا صغيرا في منزله حيث ألقى بعض محبي نجيب قصائده وقام أصحاب الأصوات الجميلة بغناء أغانيه على العود.

وقبل عامين، حاول “الصيرفي” إحياء ذكرى “سرور” في المسرح الوطني، لكن طلبه قوبل بالتردد من قبل القائمين على المسرح و”بعذر” قلة الميزانية، بحسب الصيرفي. حوار الصيرفي مع “وطن” الذي كشف خلفية العلاقة التي جمعته بسرور في الإسكندرية: “لولا هو كنت اليوم في مكان مختلف”، موضحًا: “في بداية شبابي عشت حالة الصدفة بعد أن رحل والدي والتحقت بالمدرسة الثانوية الصناعية بالإسكندرية، وفي السبعينيات… بدأت أتعرف على العالم من خلال القراءة”. في قصر الأنفوشي الثقافة وقصر ثقافة الحرية انجذبت إلى هذا العالم، فقرأت معظم ما كتبه وأعجبني حتى قبل اللقاء الفعلي، وهو ما أثار اهتمامي أيضًا بالمشاركة في العروض المسرحية في قصور الثقافة، سواء كانت من خلال التمثيل أو الغناء.”

المخرج السكندري يروي قصة السنوات الأخيرة في مستشفى للأمراض النفسية: يؤكد على ضرورة ربط الفن بالجماهير

ويتابع الصيرفي: كنت حينها عضوا في منظمة الشباب بالاتحاد الاشتراكي وكان من بين زملائي في المنظمة ممرضة في مستشفى الدكتور. مستشفى النبوي المهندس للأمراض النفسية والعصبية ذات يوم من عام 1972 قال لي: “الشاعر نجيب سرور.. الذي تحبه موجود هنا في المستشفى”. هل هو مجنون ومريض فعلا؟ “قال: لا، هذه مثل فترة التعافي. فقلت له: أريد مقابلته، فقال: يمكننا تنظيم زيارة”. وفي الواقع، نظمت الصديقة الممرضة زيارة له. لنا زيارة نجيب سرور في المستشفى.

ماذا حدث في أول لقاء مع نجيب سرور؟

يقول «الصيرفي»: في البداية كانت هناك تحفظات طبيعية، من «نجيب» ومنا، خاصة ونحن صغار، ثم فتح «نجيب» الحوار معنا وقال: «ما الذي دفعك إلى الجنون وجعلك تفعل هذا؟ “المستشفى؟” فقلنا له: “لنتعرف عليك”، فضحك وبدأ معنا حديثاً عن المسرح، وشاركنا نحن الخمسة في عروض مسرحية في قصور الثقافة بالإسكندرية، تمثيلاً وتمثيلاً مشينا إليه وجاء نحونا وهنا يتوقف الصيرفي ويقول: لم يكن نجيب شكاكاً ولا ثقة عموماً كما يشاع عنه، لكنه كان إنساناً طيباً وودوداً.

وحكى لي عن معاناته في المستشفى يوم رأى النزلاء لأول مرة خلال جلسات الكهرباء. يروي: “نجيب” قبل دخوله مستشفى الإسكندرية، كان في مستشفى العباسية بالقاهرة بعد أداء مسرحية “قول لعين الشمس” خلال فترة قصيرة على المسرح القومي عام 1972. وفي النهاية حذر من 5 /6 بكلام البطلة، في إشارة إلى استمرار الانحطاط الذي ساد في الستينيات وتسبب فيه، لكن بعد نكسة 1967 أوقف جهاز الأمن المسرحية بعد فترة قصيرة، واعترف “نجيب” بعد ذلك. مستشفى العباسية. بالطبع لم أعيش تلك الفترة، لكن “نجيب” تحدث كثيراً عن معاناته في ذلك المستشفى، ومنها على سبيل المثال كيف تبول على نفسه يوم رأى نزلاء المستشفى لأول مرة أثناء انقطاع التيار الكهربائي. جلسات.

ويتابع: أمضى “نجيب” نحو ثلاثة أشهر في “العباسية” وغادر البلاد، وبالطبع لم يكن يخشى المعارضة وكان يحتج دائمًا في كتاباته، مما دفعهم إلى إدخاله إلى مستشفى الإسكندرية.

ولم يكتف به حتى بعد عودته من المجر إلى مصر عام 1964، حيث لم يتم تعيينه، بل عمل «حرًا» في الأكاديمية ومخرجًا في المسرح القومي كمستقل و«نجيب». وبقي في مستشفى الإسكندرية لمدة طويلة، أكثر من ثلاث سنوات، وخلال هذه المدة. نتيجة لتعزيز العلاقة بيننا وبين د. كمال الفوال الذي كان مسؤولاً عن علاجه وأصبح فيما بعد مديراً للمستشفى، طلبنا في المستشفى الاستفادة من خبرة نجيب سرور في إخراج المسرحية. وافق الطبيب وسمح لـ”نجيب” بمغادرة المستشفى مساء كل خميس على أن يعود صباح كل سبت.

وإليكم الأحداث التي يتذكرها “الصيرفي” خلال زياراته لـ”نجيب” في المستشفى: “بعد انتصار أكتوبر 1973، زار فريق صحفي من مجلة المسور المستشفى لإعداد ملف صحفي عن الشعب” وموضوع وجود (نجيب) في المستشفى لم يتداول على نطاق واسع، و(نجيب) نفسه قال إنه لم يزره أحد سوى الفنانة زوزو نبيل، وهذا كلامه لي مباشرة”.

ويشير الصيرفي إلى أن نظام السادات شعر خلال هذه الفترة بالرغبة في القضاء على تألق نظام عبد الناصر بشكل كامل، وهو شخص عفيف ولا يلتفت إلى حقوق الموتى. بل كان عاشقاً غير طبيعي لجمال عبد الناصر، فكتب أول مقطع نشر في أول مجموعة كتب: بروتوكولات حكماء الريش. “الذي يبدأ بـ”لا حق في اللحية.. عندما تضيع حقوق الأموات في الأرض”، أطلق سراح نجيب نيابة عن بعض النزلاء، فبقي في المستشفى بعض الوقت الإضافي حتى خروجه في عام 1975 .

ويتابع: انتقل “نجيب” إلى القاهرة، وخلال تلك الفترة أعجب بعملنا في المسرحية معه، وكنت في الكلية الصناعية في ذلك الوقت، وهو ما لم يعجبني، فوجهني إلى الذهاب إلى الثانوية المدرسة لذلك قررت أن أتقدم لامتحان الثانوية العامة، وحصلت على شهادة الثانوية العامة وأجريت الامتحانات. وكان نجيب قد عاد للتدريس في الأكاديمية، وأذكر أنه كان قلقا ومترددا من هذا القرار، وكنت أريد العودة إلى المعهد، لكني قلت له: «إحنا طلابك ومحتاجين لعلمك».

ويتابع “الصيرفي”: دخلت المعهد وعلمني “نجيب” لمدة عام ونصف، ولأنه كان يعمل مستقلاً في الأكاديمية، كان من السهل مقابلته والدكتور. التخلص من رشاد رشدي رئيس الأكاديمية، بعد عام ونصف من «عمل نجيب»، قرر بالفعل التخلص منه، لأن نجيب كان له أفكاره الخاصة في تدريس مادة التمثيل والإخراج، وقد تعرف عليها ضرورة دمج الفن في المجتمع، بينما كان رئيس الأكاديمية ينتمي إلى مدرسة الفنون من أجل الفن. وهذا غير من شخصية نجيب الذي عرف بتمرده.

ويتابع: كان إنتاج “نجيب” غزير الإنتاج خلال هذه الفترة، وأملى علي ما يجب أن أكتبه للنشر في مجلة “الكاتب” التي يحررها صلاح عبد الصبور. وحجز له “عبد الصبور” مكانا أسبوعيا للنشر في المجلة وكتبنا وتناولنا الإفطار معا في “جروبي” ومشينا من وسط البلاد إلى مقر المجلة على الكورنيش حيث كان للشاعرين لقاء كبير علاقة جيدة.

يقول: بشكل عام كان يحب الأماكن المطلة على النيل، وكان يحب الإسكندرية بجنون، وكان يجلس في مقهى ريتش وأتيليه القاهرة ولا يكثر من الشرب إلا إذا كان محبطًا، ولكن عندما انشغل بالفن لم يفعل. لا يشرب الخمر في العمل، ولاحظت ذلك عندما ظهر في مسرحية «المناسبات» للمخرج د. والتزمت ليلى أبو سيف، التي لعبت فيها دوراً في برنامج “نجيب” آنذاك، بالبروفة ومواعيد العرض لوكالة الغوري، إلا أنها لم تلتزم بالسيناريو. قام بتغيير دوره حسب رؤيته، وأذكر أننا كنا نأكل كبد الحسين ومخه بعد انتهاء العرض، كل ليلة لمدة شهر.

ورفض سرور مصافحة ابنة السادات في مسرحية هاجمت فيها والدها

أما علاقة نجيب بالرئيس السادات فيؤكد الصيرفي أنها كانت «سيئة للغاية». وأذكر أنه أثناء عمل نجيب في مسرحية “أوكاسيون” زار نجل الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان العرض، وأثناء العرض صادف “نجيب” النص بطريقة احترافية وانتقد الضيف بسببه. لأنه كان يؤيد السادات. وبالطبع فهم الجمهور هذا النقد، فواصل حراس الأمن مشاهدة المسرحية حتى رقية. وقيل لنا وقتها أن ابنة السادات ستصافح الممثلين، لكن نجيب رفض مقابلتها قائلا إنها ستدخل العرض باعتبارها ابنة رئيس الجمهورية، وبالفعل خرجنا دون ابنة الرئيس إلى مصافحة.

وعن انتمائه السياسي يقول: “نجيب” لم يكن كاتباً سياسياً، لكنه كان شخصاً سياسياً. ولم ينضم رسميًا إلى أي منظمة شيوعية، لكن توجهه كان اشتراكيًا تمامًا. في اليوم الأول من حياته، عاد من المعهد إلى منزله سيرًا على الأقدام. كان فيصل يقود سيارته على طول ترعة الزمر، حيث كان هناك باعة بسطاء على الجانبين، منهم بائع البطاطس، يشتري البطاطس ثم يمشي فوق السور ويأكلها ويغني عبد الوهاب أو أم كلثوم أو موال شعبي. كان ذلك في الوقت الذي كان زملاؤه يمتلكون سيارات وشققاً يسكنون في شقة صغيرة مكونة من غرفتين وممر، مجهزة بأثاث متواضع جداً، بينما ترك الأبناء الأكاديمية عام 1976 ولم يكمل عامين من العمل هناك بدأ مسيرته وبدأت حالته الصحية والمالية بالتدهور، وفي عام 1978 تفاقمت أزمته الصحية وأدخل إلى مستشفى الحسين. وانتقل بعد ذلك إلى أخيه «ثروت» في دمنهور حتى خرج من المستشفى، يغلفه الألم والغربة.